تمكين المستثمرين: الدور الريادي لوكالات ترويج الاستثمار وإمكانات النمو

658bf8faa27c9_TL-article-creatives_banner.jpg
تمكين المستثمرين: الدور الريادي لوكالات ترويج الاستثمار وإمكانات النمو
المواضيع: مقالة

كتبه: جيرون كارل ماريا نيلاند، رئيس علاقات المستثمرين بوكالة ترويج الاستثمار في قطر

  • تواجه هيئات ترويج الاستثمار تحولات مستمرة جراء تطورات السوق والعوامل الجيوسياسية، وهو ما يتطلب قدرة عالية للتكيّف مع المشهد السريع التغيّر.
  • يعتمد نمو هيئات ترويج الاستثمار على تبني التوجهات الناشئة في مشاريع الاستدامة، والاستثمار الأخضر في مجال التكنولوجيا.
  • تحتاج هيئات ترويج الاستثمار إلى تطوير مراكز تعرض نهج الحكومات، وتغيير استراتيجية تمكين المستثمرين، وتحديث مؤشرات التقييم لتعزيز عملية النمو.

في إطار تحقيق الريادة والنمو في المستقبل، تأخذ هيئات ترويج الاستثمار على عاتقها تحويل تركيزها إلى التطور الحالي في الاستثمارات الناشئة، مثل الاستثمارات الخضراء المتعلقة بالتكنولوجيا، ومواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية غير المتوقعة. ورغم أن هذه التغييرات تعتبر واعدة، إلا أنها تُشكِّل تحديات أمام الدور التقليدي الذي تضطلع به هيئات ترويج الاستثمار العاملة ضمن الحكومات، مما يتطلب إعادة تقييم أساليب عملها مع الحكومات، وتعزيز جهود تشجيع الاستثمار، ومؤشرات التقييم والقياس.  وللتعامل مع هذه التعقيدات، يتعين على هيئات ترويج الاستثمار تبنى ثقافة خوض التجربة والتعلّم منها، وتبادل المعرفة، ويوفر مؤتمر الاستثمار العالمي منصة مهمة للحوار والنقاشات البنّاءة في هذه المواضيع.

التعامل مع تقلبات الاستثمار العالمية

نظرًا للتقلبات المستمرة في الاستثمارات العالمية القصيرة والمتوسطة الأجل، تواجه هيئات ترويج الاستثمار تطورات السوق والعوامل الجيوسياسية.  وتشير أحدث التقارير الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) إلى أن هيئات ترويج الاستثمار يجب أن تعطي الأولوية للاستدامة والاستثمار في مجال التكنولوجيا لتحقيق الاستقرار والنمو. كما حددت المنشورات الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية 17 نوعًا من التكنولوجيا الرائدة والأساسية، يأتي في طليعتها الابتكار الأخضر بقيمة سوقية تبلغ 1.5 تريليون دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 9.5 تريليون دولار بحلول عام 2030. وتشمل هذه التكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والمركبات الكهربائية، والهيدروجين الأخضر، والوقود الحيوي، وتكنولوجيا النانو، وشبكات الجيل الخامس، وتعديل الجينات، والروبوتات، وطاقة الرياح، وسلاسل البلوك تشين). وبالرغم من ذلك، فإن الدول النامية إن لم تتخذ تدابير حاسمة وسريعة، فسوف تفقد شطرًا كبيرًا من القيمة التي تحققها الأسواق المزدهرة. وبالنظر إلى هذه التحديات والتغييرات، يتعين على هيئات ترويج الاستثمار أن تلتزم بالتعديلات المقترحة في السياسات والأساليب المحلية والخارجية على النحو الموضح في المقال.

                                           مضامين الاستثمار وتبعاته على مستقبل هيئات ترويج الاستثمار

أ) تبني مركز يعكس نهج الحكومة: بينما تسعى هيئات ترويج الاستثمار إلى جذب استثمارات مؤثرة، تواصل هذه الهيئات تطورها في تبني نهج "مركز الحكومة" في إطار مشهد متغيّر بوتيرة سريعة. كما يتعيّن على هذه الهيئات الآن مواجهة مجموعة من التحديات المعقدة، بدءًا من مخاوف البنية التحتية المتعلقة بالاستدامة، إلى الإصلاحات التنظيمية والتشريعية المدفوعة بالتكنولوجيا الناشئة. ويتطلب نجاح جذب هذه الاستثمارات، تبني سياسات داعمة يتوقع أن تنخرط فيها جميع الوزارات. وبالنظر إلى حجم الاستثمارات العديدة المرتبطة بالاستدامة، فإنها قد تفرض قضايا بشأن الاتصال بالشبكة، وقد تستدعي ترتيبات جديدة في التمويل، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على التخطيط المكاني، مما يُشكِّل تحديًا للأطر الحالية. ويؤثر النطاق والملف التعريفي ومبادئ التمويل في البنية التحتية للأبحاث العامة على القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية المحتملة. وبالتالي، هنالك حاجة إلى وجود مواءمة أوثق بين صميم عمل الحكومات ومهام هيئات ترويج الاستثمار التي أصبحت ذات أهمية متزايدة، مما يطرح أسئلة مهمة حول الوضع التنظيمي والمشاركة الفعالة في الإجراءات المتعلقة بالسياسات وتقييم الأثر.

وقد أصبح الارتباط المتنامي للطاقة والتكنولوجيا بالسياسات العالمية مصدر قلق كبير للحكومات، حيث يعني هذا التحول أن الحكومات تراها مهمة لاستراتيجياتها الشاملة. وكانت هيئات ترويج الاستثمار تركز بشكل أساسي على جلب الاستثمارات وتوفير فرص العمل، لكنها باتت الآن تؤدي دورًا مهمًا في مساعدة الحكومات على تأمين مزيج الطاقة أو التكنولوجيا التي تحتاج إليها (المعروفة باسم 'الاستقلال الاستراتيجي'). كما أنها تساعد في الحفاظ على مكانتها الحالية، كما يتضح من العدد المتزايد من البلدان التي تلجأ إلى فرز وتدقيق الاستثمارات.

وعلى سبيل المثال، يعمل مجلس التنمية الاقتصادية في سنغافورة، وهي هيئة وطنية تعمل على تشجيع الاستثمار، على تحقيق رؤية سنغافورة الاقتصادية لعام 2030، في إطار أهداف شاملة تتمثل في تعزيز الابتكار والتكنولوجيا وتحقيق التنمية المستدامة. وعلى نحو مماثل، تعمل هيئات ترويج الاستثمار الأخرى، مثل وكالة ترويج الاستثمار في قطر، بمثابة أداة داعمة لمسيرة التنمية الاقتصادية للبلاد بما ينسجم مع الأهداف الوطنية المحددة في رؤية قطر الوطنية 2030.

ب) تعزيز جهود تمكين الاستثمار: يعتمد نجاح مهمة هيئات ترويج الاستثمار على قدرتها على جذب الاستثمارات بفاعلية، وهو ما يعود بآثار مهمة على تلك الهيئات. ومن أجل التكيّف مع التغييرات في مشاريع الاستدامة والتكنولوجيا، تحتاج هيئات ترويج الاستثمار إلى إعادة تحديد نهجها في التعامل مع عملية تسهيل الاستثمار. وإلى جانب العوامل التقليدية مثل اللوائح التنظيمية والضرائب والبنية التحتية، فإن هيئات ترويج الاستثمار يجب أن تكون قادرة على توفير معلومات مُفصلة حول العديد من الجوانب، مثل توافر المواهب، وبرامج البحث، وجودة الحياة وفرص الازدواج الوظيفي، وسياسات الطاقة والبيئة، وغيرها. وبالرغم من ذلك، فإن اتساع الدور هذا يشكل أيضًا تحديًا كبيرًا، مما يدفع هيئات ترويج الاستثمار إلى إعادة تقييم شبكاتها وحوافزها واستراتيجياتها لكي تتماشى مع المشاريع وطبيعتها المتطورة. وتؤكد هذه البيئة الحيوية الأسباب التي تقف وراء حاجة هيئات ترويج الاستثمار إلى تطوير مركز يعرض نهج الحكومة، لدوره في تعزيز قدرتها على التكيّف مع متطلبات التحول التي تشهدها بيئة الاستثمار.

وفي نقلة استراتيجية، تؤكد هيئات ترويج الاستثمار الآن على الممارسات الراسخة بشأن تطوير المواهب بشكل مستمر، وخاصة في القطاعات الناشئة. فعلى سبيل المثال، تُدرِّج المؤسسة الدولية للتنمية في أيرلندا المواهب باعتبارها عاملاً رئيسيًا يؤثر على قرارات الاستثمار، إلى جانب الاقتصاد والبنية التحتية وجودة الحياة. تستثمر أيرلندا سنويًا ما يزيد عن مليار يورو في برامج تحسين المهارات وإعادة صقلها، بما يعزز التزامها بتطوير المواهب المحلية، بما في ذلك تعزيز التعاون في برامج التدريب في مختلف القطاعات.

ج) تغيير مؤشرات الاستثمار لتحقيق النجاح: تتطلب تحوّلات جذب الاستثمار وكيفية تحقيقه، إعادة تقييم المؤشرات التي تستخدمها هيئات ترويج الاستثمار لتوجيه جهودها وإبراز تأثيرها. كانت هيئات ترويج الاستثمار تركز في المقام الأول وبشكل تقليدي على مؤشرات الاستثمار، مثل إجمالي حجم الاستثمارات التي تم استقطابها، أو عدد المشاريع التي سيتم تنفيذها. ومع ذلك، يقر هذا النهج المتطور بالحاجة إلى تجاوز هذه التدابير، وإضافة مؤشرات نوعية. وقد تشمل المؤشرات الرئيسية المستقبلية الشراكات البحثية، أو نقل التكنولوجيا، أو جودة الوظائف التي استحدثت، والتقارير بشأن تجاوز تأثير هيئات ترويج الاستثمار مجرد حجم مبالغ الاستثمار وخلق فرص العمل، ليركز على المساهمات التي تدفع نحو ازدهار المجتمع واستدامته على المدى الطويل.

وختامًا، يتطلب التطور المستمر لهيئات ترويج الاستثمار استكشافًا استباقيًا للأساليب والأدوات والمعايير المبتكرة التي تتماشى مع السياسات الحكومية الأساسية. ويتطلب هذا فهمًا معمقًا للتوجهات الناشئة والمرونة لتجربة المناهج المستحدثة.  وتُعد الجهود الجماعية التي تبذلها هيئات ترويج الاستثمار في جميع أنحاء العالم مهمة في تشكيل المسار المستقبلي لهذا القطاع، وتمكينها من تحقيق النجاح في ريادة الاستثمارات المستدامة القائمة على التكنولوجيا.


تشارك هذه المقالة