لماذا تُعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الوجهة الجديدة لمطوّري الألعاب الإلكترونية العالميين؟
28 سبتمبر 2025

بقلم: محمد إبراهيم الملا، رئيس شؤون آسيا بوكالة ترويج الاستثمار
تتسارع وتيرة صعود منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتفرض نفسها كإحدى أكثر الوجهات حيويةً وديناميكيةً في صناعة الألعاب الإلكترونية العالمية. فبعد أن كانت تُصنّف في السابق كسوق استهلاكي، أصبحت اليوم مركزًا إقليميًا للابتكار، ووجهةً واعدةً أمام مطوري الألعاب الإلكترونية من مختلف أنحاء العالم لاقتناص فرص نمو غير مسبوقة. ووفقًا لتقرير حديث صادر عن "مودور إنتلجينس"، يُتوقع أن يبلغ حجم سوق الألعاب العالمي 435.44 مليار دولار بحلول عام 2030، مقارنةً بـ 269.06 مليار دولار في عام 2025، بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 10.37%.
وفي ظل هذا الزخم الهائل الذي يشهده القطاع، يتوقع أن تُسجل منطقة الشرق الأوسط أسرع معدل نمو عالمي بنسبة 12.9%، مدفوعةً باستثمارات ضخمة في الألعاب الإلكترونية، ومراكز النشر، والبنية التحتية المتقدمة الداعمة للابتكار. ولم تُعد حكومات المنطقة تنظر إلى صناعة الألعاب على أنها مجرد قطاع ترفيهي، بل حوّلتها إلى محرك استراتيجي لتنويع الاقتصاد وتعزيز استدامة النمو.
استراتيجيات طموحة لدول مجلس التعاون الخليجي
تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى ترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي في صناعة الألعاب من خلال تبني استراتيجيات طموحة تعكس حجم الرهانات الكُبرى على هذا القطاع. ففي المملكة العربية السعودية، تستهدف الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية إسهام القطاع بحوالي 13.3 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير نحو 39 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030. وفي دبي، يهدف برنامج الألعاب الإلكترونية 2033 إلى تعزيز مساهمته في نمو الاقتصاد الرقمي والناتج الإجمالي المحلي بنحو مليار دولار، وتوفير ما يصل إلى 30 ألف وظيفة جديدة مرتبطة بهذا القطاع.
شركات ألعاب عالمية رائدة تدشّن أعمالها في قطر
يُمثل جذب كبرى الشركات العالمية في صناعة الألعاب ركيزةً أساسيةً في طموح دولة قطر لبناء اقتصاد إبداعي تنافسي عالمي. ومن أبرز المحطات المفصلية في هذا القطاع، دخول "ليفل إنفينيت" العلامة التجارية العالمية للألعاب الإلكترونية التابعة لمجموعة "تينسنت" إلى السوق القطريّة عبر اتفاقية شراكة استراتيجية مع وكالة ترويج الاستثمار.
وتُعد "تينسنت" واحدةً من كبرى شركات التكنولوجية والترفيه في العالم، وتدير أكثر من ثلاثين استوديو لتطوير الألعاب حول العالم، وحققت إيرادات تجاوزت 25.7 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2025، بزيادة سنوية بلغت 15%، مدفوعةً بالأداء القوي للألعاب الإلكترونية وزيادة تدفق الاستثمارات في تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويعكس قرارها بتأسيس وجودها في قطر أكثر من مجرد توسع لنشاطها تجاري، فهو تأكيد على المكانة المتنامية للدولة كمركز إقليمي للابتكار الرقمي وبوابة للاقتصاد الإبداعي سريع النمو.
وفي موازاة ذلك، تسعى دولة قطر إلى سد الفجوة بين عمالقة صناعة الألعاب العالمية والأسواق الناطقة بالعربيّة، من خلال دعمها المتنامي لشركات النشر، على غرار "ميزان استوديوس"، و"ديجيت إنك" و"كوريجيم". ومع استقطاب العلامات العالمية وتمويل تطوير الألعاب وإنتاجها باللغة العربية، تبني قطر منظومة متكاملة تُعزز فرص نجاح وازدهار المطورين والناشرين واللاعبين المحترفين على حدٍ سواء.
مواجهة تحديات تسريع نمو قطاع الألعاب
كما هو الحال مع أي صناعة ناشئة، يواجه قطاع الألعاب الإلكترونية مجموعةً من التحديات التي سيكون لها دور حاسم في تشكيل مستقبله، من أبرزها تطوّر الأطر التنظيمية والتشريعية، وارتفاع تكاليف البنية التحتية الرقمية. ومع ذلك، فهذه التحديات ليست حالة استثنائية؛ بل سمة طبيعية ترافق مسيرة نمو الصناعات الحديثة حول العالم. وعند معالجتها برؤية استباقية ونهج استباقي، يُمكن أن تتحوّل من عوائق محتملة إلى محفزات قوية تدعم الابتكار وتسرّع وتيرة النمو.
تسعى دولة قطر إلى الاستفادة من إمكاناتها الهائلة لبناء متكاملة ورائدة في المنطقة لدعم صناعة الألعاب والمحتوى الرقمي، مرتكزةً على حزمة من المزايا التنافسيّة، من أبرزها:
- بنية تحتية واتصال عالمي المستوى: تحتل دولة قطر المرتبة الأولى عالميًا في سرعة الإنترنت عبر الهاتف المحمول (مؤشر سرعة الإنترنت لعام 2024)، والمرتبة الثانية عالميًا في البنية التحتية العامة (مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي لعام 2023)، وتوفر تغطية شبه شاملة للهاتف المحمول واستخدام واسع النطاق لشبكات الجيل الخامس.
- أطر قوية لحماية الملكية الفكرية، تصون الإبداع وتدعم بيئة الابتكار.
- جودة عالية للحياة: جاءت دولة قطر في المرتبة الثانية عالميًا في مؤشر الأمن والأمان (تصنيف مؤشر "نومبيو" لجودة الحياة لعام 2025)، والمرتبة الثانية عالميًا في مجال الرعاية الصحية والرفاهية (تصنيف "إكسبات إنسايدر" لعام 2024).
- تنوّع وكفاءات بشرية مؤهلة: مدعومة بجامعات مرموقة وحاضنات أعمال، صُنفت دولة قطر في المرتبة الأولى عالميًا في جذب المواهب (مؤشر تنافسية المواهب العالمية لعام 2023 الصادر عن المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال "إنسياد").
- برامج دعم متخصصة: مثل برنامج "ابدأ من قطر" الذي أطلقته وكالة ترويج الاستثمار ليكون منصةً متكاملةً تربط رواد الأعمال بخدمات الدعم وبرامج التمويل وحاضنات الأعمال. وضمن إطار البرنامج، يقدم "برنامج ابدأ من قطر" الاستثماري التابع لبنك قطر للتنمية، تمويلاً يصل إلى 500 ألف دولار للشركات الناشئة في مرحلة التأسيس، وتمويلاً يصل إلى 5 ملايين دولار للشركات الناشئة لتوسيع أعمالها. وقد استفادت الدفعة الأولى من تمويل إجمالي بلغ 12 مليون دولار، شملت شركة "إس إيه كي جيمز"، المطوّر والناشر لألعاب الهاتف المحمول الهجينة.
قطر نموذجًا إقليميًا للابتكار والنمو
تشكل هذه الجهود رافدًا أساسيًا، لا يقتصر على تعزيز منظومة الألعاب المحلية في قطر، بل يُرسخ مكانتها كنموذج إقليمي يُحتذى به في مجالات الابتكار ونمو هذا القطاع الحيوي. وبفضل قاعدة شبابية متمكنة رقميًا، ورؤى وطنية طموحة، ومنصات تعاونية متنامية، تتهيأ قطر لتكون بيئة مثالية تحتضن المبدعين والمستثمرين والمطورين، وتفتح أمامهم آفاقًا أوسع للاستفادة من الفرص الواعدة في هذا القطاع سريع النمو.