آفاق النمو في دول مجلس التعاون الخليجي وفق التصنيف الإقليمي لتوقعات صندوق النقد الدولي... القصة غير المروية

653a57c2a17d2_Untold_article_Web_Banner.png.png
المواضيع: مقالة

جوكن سيليك، مدير أول البحوث ودعم سياسات، وكالة ترويج الاستثمار في قطر

مع دخولنا الربع الأخير من عام 2023، لا يزال النشاط الاقتصادي العالمي يشهد تباطؤا، ولم يصل إلى ما كان عليه قبل جائحة كورونا (كوفيد-19). يكشف أحدث عدد من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي أنه من المتوقع أن ينخفض النمو العالمي من 3.5% في عام 2022 إلى 3% في عام 2023 ثم 2.9% في عام 2024.

ويوازن صندوق النقد الدولي توقعاته بعناية، متجنبًا تعريض الأسواق غير المستقرة بالفعل لأي خطر محتمل، حيث حافظ الصندوق على خطاب التعافي البطيء من جائحة كوفيد-19، بينما واصل تحذيره من التكاليف المحتملة والمرتبطة بتخفيض معدلات التضخم، والاضطرابات التي تتعرض لها حركة التجارة العالمية، والتفتت الجغرافي-السياسي.

وعلى الرغم من مواجهة بعض الانتقادات بشأن خفض توقعات النمو وفق المُعلن في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي نصف السنوي الذي صدر في أبريل الماضي، فقد صاغ صندوق النقد الدولي توقعاته في حدود مستوى مقبول من الدقة. فمنذ الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في عام 2008، يصيغ صندوق النقد الدولي توقعاته في التقارير الصادرة في إبريل بمعدل نمو عالمي في نهاية العام بهامش خطأ يبلغ 0.11%.

يُمهد النمو المطرد في دول مجلس التعاون الخليجي الطريق في منطقة تسير بوتيرة بطيئة

ربما لا يقدّم التصنيف الإقليمي الحالي لتوقعات صندوق النقد الدولي رؤيةً متعمقةً حول دول محددة مدرجة ضمن كل فئة، ومن ضمنها دول مجلس التعاون الخليجي. تشمل توقعات تقرير صندوق النقد الدولي حول آفاق النمو خمس مناطق رئيسية وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، ومنطقة اليورو، والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وآسيا الناشئة والنامية، وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتُصنف دول مجلس التعاون الخليجي ضمن منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إلى جانب دول أخرى تتسم بهياكل وظروف اقتصادية متنوعة. وخلافًا للدول الأخرى ضمن هذه المنطقة، من المتوقع أن يكون أداء دول مجلس التعاون الخليجي مختلفًا بفضل سعيها الدؤوب لتنويع مواردها الاقتصادية، وهي رؤية طموحة تطوَّرت على مدى سنوات عديدة. وتُشكِّل هذه الدول مجتمعة 35% من منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وهي مهيئة لمزيد من الهيمنة على المجموعة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى إمكانات النمو الكبيرة التي تتمتع بها.

وبناءً على هذا السياق، من الضروري إدراج تحليل خاص لدول مجلس التعاون الخليجي نظرًا لاختلافها عن منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، من أجل فهم التطور الاقتصادي الجدير بالملاحظة الذي تشهده هذه المنطقة. ومن جهته، يعترف صندوق النقد الدولي بوجود فوارق إقليمية، لا سيما بين الأسواق المتقدمة والأسواق الناشئة، إلا أنه لا يشرح تفاصيل هذا التفاوت داخل المناطق. فمن المتوقع أن تنمو منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بوتيرة أبطأ مقارنة بالأسواق الناشئة في عام 2024، على الرغم من قوة الأداء الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها جزءًا من هذه المنطقة، والذي يقدر بنحو 3.7%.

 

ويكشف تحليل الأداء الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي أن صندوق النقد الدولي استمر بترقية توقعاته طويلة المدى بشأن دول مجلس التعاون الخليجي بشكل ثابت منذ جائحة كوفيد-19. ويرتبط هذا في المقام الأول بسوق السلع الأساسية، وبدرجة أقل، بمشاريع التنمية. ونجدر الإشارة هنا إلى أن تلك التوقعات التصاعدية حدثت على الرغم من تشديد السياسات النقدية الذي لا يمكن تجنبه، حيث أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ملتزمة بربط عملاتها بالدولار الأمريكي.

مصدر البيانات: قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي - آفاق الاقتصاد العالمي

وتشير التوقعات الموحدة إلى أنه على الرغم من تباطؤ معدل النمو في عام 2023، إلا أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ستواصل النمو خلال السنوات التالية بمعدل تقريبي قدره 4%. ويتجلى الاتجاه التصاعدي الجدير بالملاحظة في التوقعات بشأن دولة قطر على المدى المتوسط، حيث يتوقع الصندق أن يتسارع معدل النمو في البلاد بمعدل يتجاوز 6% بحلول عام 2027، مدفوعًا بمشروع توسيع حقل الشمال، وهو مشروع تنموي تاريخي يهدف إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير.

مصدر البيانات: قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي - آفاق الاقتصاد العالمي

مستقبل واعد ينتظر دول مجلس التعاون الخليجي

يؤكد صندوق النقد الدولي على أهمية السياسات التصحيحية في تخفيف أثر المخاطر المحتملة المرتبطة بعملية تخفيض معدلات التضخم وتباطؤ الاقتصادات. ويأتي تنفيذ التدابير المالية لدعم النشاط الاقتصادي وحماية الشرائح المهمشة مكلفًا للغاية، وليست جميع البلدان مستعدة لتحمل هذا العبء. بالإضافة إلى ذلك، يسلط صندوق النقد الدولي الضوء على المخاوف المتزايدة بشأن ارتفاع الديون، وينصح الاقتصادات الناشئة بمواصلة تصحيح أوضاعها المالية بطريقة أكثر عمقًا.

وفي المقابل، تتميز دولة قطر بمكانة اقتصادية متميزة بفضل التدابير الاحترازية التي نفذتها خلال السنوات الماضية، والتي أتاحت لها تعزيز مواردها بشكل كبير لدعم الاقتصاد خلال الأوقات الصعبة. ووفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي، ستحافظ دولة قطر على وضعها المالي القوي مقارنة بنظرائها من البلدان، وهو ما يتضح من حجم الأصول المالية المتاحة للإقراض.

مصدر البيانات: قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي - آفاق الاقتصاد العالمي

تعتمد النظرة الإيجابية لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بقوة على مواصلة الإصلاحات الهيكلية، التي تعتبر مهمة لإنعاش آفاق النمو على المدى المتوسط، لا سيما في ظل المناورة بالسياسات التقيدية. وفي تقييمه بشأن المحيط الإقليمي، أقر صندوق النقد الدولي بالتقدّم المتميّز الذي حققته دول مجلس التعاون الخليجي في إصلاحات عديدة منها سوق العمل، والقطاع الخارجي، ومرونة سوق الائتمان، متفوقة بذلك على العديد من الأسواق الناشئة الأخرى.


تشارك هذه المقالة