تعزيز بيئة الشركات الناشئة في قطر

633d44176eb48_Artboard_1.jpg
المواضيع: مقالة

تشهد بيئة الشركات الناشئة حول العالم نموًا متسارعًا. ويعود ذلك، بشكل رئيسي، إلى توفر مبالغ مالية كبيرة يتم استثمارها في أفكار جديدة ومبدعة. ويقود قطاع التكنولوجيا هذه المسيرة، حيث أنه نما بنسبة توازي 2.3 ضعف مثيلاته في المجال غير التكنولوجي منذ اندلاع جائحة كوفيد-19. وفي هذا السياق، فقد سجّل عام 2021 وحده بروز 540 شركة، وهو رقم قياسي، في إطار 113 بيئة عمل، بلغت قيمة أعمال كل شركة منها أكثر من مليار دولار أمريكي.

وتُعتبر بيئة الشركات الناشئة في قطر مكانًا واعدًا لرواد الأعمال والمستثمرين. وتشهد الدولة، التي ستحتضن كأس العالم 2022، نموًا سريعًا، وهي حاليًا تتبوأ المركز الرابع عالميًا لجهة تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يؤشر على التزامها الراسخ بدعم الشركات الناشئة.

بالرغم من أن قطر، رابع أغنى دولة في العالم لجهة نصيب الفرد من الناتج المحلي (تكافؤ القوة الشرائية) وفق تصنيف البنك الدولي، لم تبنِ قوتها الاقتصادية على الشركات الناشئة، إلا أنها تدرك تمامًا الدور الحاسم الذي تلعبه تلك الشركات في تحقيق الازدهار، خاصة مع تحوّلها الجاري من اقتصاد قائم على النفط والغاز إلى آخر أكثر تنوعًا.

وجدير بالذكر أن كل وظيفة في شركة ناشئة توفر 5 وظائف غير مباشرة في السوق. كما تشجع الشركات الناشئة مثيلاتها في السوق على الابتكار، وتعزيز الإنتاجية والإيرادات، وإنشاء الشراكات من أجل تحقيق أهداف الرقمنة والاستدامة. كما تُشير آخر الدراسات إلى أن عدد الشركات الناشئة في اقتصاد ما يتناسب مباشرة مع نمو الناتج المحلي.

تبلغ قيمة اقتصاد الشركات الناشئة حاليًا أكثر من 3.8 تريليون دولار أمريكي، مما يزيد على الناتج المحلي لمعظم الاقتصادات السبعة الكبرى. كما أن الاستثمار في الشركات الناشئة بمراحلها الأولية والمتقدمة يبلغ أرقامًا قياسية عامًا بعد عام. ويتفاوت حجم الاستثمار بحسب المناطق، حيث أن الاستثمار المجازف بلغ نحو 300 مليار دولار عالميًا في عام 2020، إلا أنه لم يتجاوز 1 مليار في منطقة الشرق الأوسط، مما يُشير إلى الإمكانات الكامنة في هذا السوق. وعلى صعيد دولة قطر، سيُسهم تطوير بيئة الشركات الناشئة في تسريع تحوّلها وتحقيق معايير التنمية الاقتصادية والاجتماعية الواردة في رؤية قطر الوطنية 2030.

وفي هذا السياق، يتطلب إنشاء بيئة ناجحة للشركات الناشئة توفر ثلاثة عناصر رئيسية: المواهب، ورأس المال، والسوق، حيث يتم تحويل الأفكار المبدعة للأكاديميين والعلماء إلى منتجات قابلة للتسويق، يتبناها بدورهم المستهلكون.

أنشأت قطر الأسس الضرورية لعمل تلك البيئة

شيّدت دولة قطر بنية تحتية مميزة تدعم نمو الأعمال، وتُعنى بكافة النواحي من الاستدامة البيئية وصولاً إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتقود المؤسسات التعليمية ذات المستوى العالمي في الدولة، على غرار جامعة كارنيجي ميلون في قطر وجامعة حمد بن خليفة، جهود البحث والتطوير، وتغرس أُسس ثقافة ريادة الأعمال.

من جهتها، تدعم حاضنات ومراكز تسريع الأعمال، على غرار مركز قطر للتكنولوجيا المالية وواحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، الجهود الحكومية لإنشاء بيئة مزدهرة للشركات الناشئة، من خلال استقطاب رواد الأعمال الواعدين من شتى أنحاء العالم للعمل في قطر. وتتفاوت باقة الحوافز التي يتم تقديمها من مبالغ مالية بقيمة 600 ألف دولار أمريكي للارتقاء بأعمال الشركة وصولاً إلى تأسيسها في المنطقة الحرة الخاصة بواحة قطر للعلوم والتكنولوجيا.

على مستوى الاقتصاد الكليّ، يُشكل قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة نحو 97% من مجمل الشركات المسجّلة في قطر، كما أنه يوظف ما بين 31-34% من مجمل القوى العاملة. وقد حازت الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا المالية أكبر قدر من استثمارات رأس المال المجازف خلال العام الماضي. وعلى مرّ السنوات، فقد تحوّلت بيئة الشركات الناشئة في قطر بشكل تدريجي إلى مكان عمل حيوي، يستند إلى قوة ريادة الأعمال فيها، التي تأتي في المرتبة الثالثة عربيًا والثامنة عالميًا.

وقد نشرت وكالة ترويج الاستثمار في قطر، مؤخرًا، تقريرًا حول بيئة الشركات الناشئة، درس الوضع الحالي لبيئة الشركات الناشئة في الدولة، وألقى نظرة على القطاع على المستويين الإقليمي والعالمي، من أجل تحديد الاستراتيجيات والمقاربات التي من شأنها توفير المزيد من الزخم. كما تضمن التقرير تحليلاً مقارنًا أوجز المزايا الرئيسية لبيئة الشركات الناشئة في الدولة.

نتائج مميزة وإمكانات نمو واعدة

لا تزال دولة قطر، مع تواجد أقل من 1000 شركة ناشئة فيها، في المرحلة الأولية من نموذج دورة بيئة العمل ذات المراحل الأربع: التفعيل، والعولمة، والاستقطاب، والدمج. ومع شروعها في مرحلة العولمة، بدأت قطر تستثمر في شبكة دعم صلبة للشركات الناشئة من شأنها زيادة الناتج المحلي بنسبة 2-4% بحلول عام 2033، وخلق نحو 40000 فرصة عمل، والمساهمة في إنشاء اقتصاد متنوع، فضلاً عن استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر.

في هذا السياق، لا بد من الملاحظة أن قطر تبقى بلدًا صغيرًا يسكنه 2.8 مليون نسمة، بالمقارنة مع عمالقة الشركات الناشئة على غرار الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والصين، وألمانيا. لكن التجارب العالمية، كما في السويد مثلاً، تؤشر إلى أن عدد السكان ليس العامل الحاسم في تحقيق النجاح. إذ يُمكن لقطر إنشاء قاعدة سوقية أكبر من خلال تأهيل قوى عاملة ذات مهارات عالية. وهي تقوم، من خلال مبادرات على غرار خدمات ترويج وتنمية الصادرات "تصدير" التي أطلقها بنك قطر للتنمية، بتوفير المحفزات للمصدرين القطريين العاملين في القطاعات غير الهيدروكربونية.

تبدّل النظرة الاجتماعية نحو ريادة الأعمال

يؤمن 82% من القطريين، اليوم، بأن ريادة الأعمال تُشكل مسارًا مهنيًا جيدًا. وقد تلقفت الدولة هذا الشعور من خلال صياغة برامج جديدة توفر التدريب ومهارات ريادة الأعمال، على غرار "الأكاديمية العربية للابتكار" من واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، وهي أول وأهم برنامج لريادة الأعمال في العالم العربي.

وتواصل قطر التقدّم على درب التحوّل إلى مركز صاعد للشركات الناشئة، حيث تهدف شراكة عُقدت مؤخرًا ما بين بنك قطر للتنمية وستارت أب جينوم، وهي هيئة استشارية رائدة للبحوث والسياسات تقدّم خدماتها للحكومات والمؤسسات الخاصة، إلى توفير المزيد من الفرص للشركات المحلية الناشئة للظهور على الساحتين المحلية والعالمية.

من جهة أخرى، يوفر مسرّع الأعمال الرياضية وشركة سبورتستك الفرص للشركات العاملة في مجال الرياضة، والساعية إلى تأسيس أعمال لها في قطر والتشابك مع المؤسسات والعلامات التجارية الريادية. وقد كرّست قطر، من خلال البناء على استضافتها لكأس العالم فيفا 2022، مكانتها كوجهة عالمية للرياضة بما يوفر فرصًا لا تُضاهى للأعمال والاستثمار.

لقد أوجد التزام دولة قطر الراسخ واستثماراتها السخية بيئة شركات ناشئة ابتكارية، تحتضن رواد الأعمال في كافة الصناعات، من الرياضة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وصولاً إلى الاستدامة واللوجستيات. ويُعزز ذلك توفر تمويل سخيّ للشركات الناشئة بلغ رقمًا قياسيًا من 69 مليون ريال قطري في العام الماضي، بزيادة قدرها 92% عن عام 2020، فضلاً عن إمكانية وصول لا تُضاهى إلى أسواق 25 اقتصادًا تبلغ قيمتها الإجمالية 6 تريليون دولار أمريكي ضمن دائرة لا يزيد قطرها عن 3000 كيلومتر.

لمعرفة المزيد حول بيئة الأعمال الجاذبة والفرص العديدة للشركات الناشئة في قطر، أنقر هنا


تشارك هذه المقالة