الاستثمار الأخضر في إدارة النفايات: محرّك يدفع عجلة التنمية الاقتصادية

63bbaad0d9cfa_Web_Banner_1.jpg
الاستثمار الأخضر في إدارة النفايات: محرّك يدفع عجلة التنمية الاقتصادية

تُعد المساحة موردًا مُتناهيًا على كوكبنا، ومع تفاقم الزيادة السكانية والتصنيع، فقد أصبحت النفايات تلتهم المساحات المتوفرة بشكل مطرد، حيث يُنتظر أن تبلغ كمية المخلفات السنوية نحو 3.4 مليار طن على المستوى العالمي بحلول عام 2050.

هذا رقم مُخيف بالفعل، لكنه يحمل في طيّاته فرصًا واعدة للاستثمار المستدام في مجالات إدارة النفايات والتطور التكنولوجي في ظل اقتصاد دائري متقدم. وفي دولة قطر، من المنتظر أن يوفر النموذج الاقتصادي الدائري منافع مالية واجتماعية وبيئية جمّة، تناهز قيمتها 17 مليار دولار بحلول عام 2030، أي ما يوازي 10% من مجمل الناتج المحلي، فضلاً عن خلق 19000 فرصة عمل.

لقد بدأ نجم دولة قطر يسطع كمركز واعد لإدارة النفايات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تُنتج هذه المنطقة نحو 6% من مجمل نفايات العالم، وتتراوح فيها سُبل التخلص منها ما بين المكبات العشوائية المفتوحة والمطامر وصولاً إلى منشآت الفرز وإعادة التدوير. وفي هذا السياق، يوفر الاتصال المتطور والبنية التحتية الحديثة في دولة تسمح بالملكية الأجنبية لغاية 100% في كافة القطاعات – الأفضل في دول مجلس التعاون الخليجي – للمستثمرين المحتملين فرصًا واعدة في مجالات إعادة التدوير، واستخدام النفايات كوقود، واسترجاع المواد.

4 عوامل تستند إليها صناعة إدارة النفايات في قطر:

إعادة التدوير – يُشجع البرنامج المتكامل لفرز وإعادة تدوير النفايات واستراتيجية التنمية الوطنية الثانية في قطر تبني تقنيات إعادة التدوير، بما يشمل استخدام نحو 20% من المواد المُعاد تدويرها في مشاريع الإنشاءات.

استخدام النفايات كوقود – توّلد قطر، وهي أول دولة بمجلس التعاون الخليجي تُطلق مثل هذا البرنامج، أكثر من 30 ميغاوات من الكهرباء في مركز معالجة النفايات الصلبة المحلية.

استرجاع المواد – تتضمن النفايات المُنتجة في قطر ما نسبته 5% من المعادن، تشتمل على الحديد (70%) والألمنيوم (30%).

الشراكات – أطلقت وزارة البلدية والبيئة (سابقًا) منصة استثمارية بعنوان "فرص" لتشجيع الشراكات ما بين القطاعين العام والخاص واستغلال الفرص التي توفرها التكنولوجيا الإبداعية في هذا المجال.

تستكشف دراسة أجرتها وكالة ترويج الاستثمار في قطر حول إدارة النفايات الإمكانيات الكامنة في هذا القطاع. ويدعم السوق وجود تسع منشآت لإدارة النفايات، بالإضافة إلى التزام حكومي راسخ بإعادة التدوير، بهدف تحفيز النمو الاقتصادي والحفاظ على الرأسمال البيئي للدولة في آن معًا.

وتهدف استراتيجية قطر الوطنية للبيئة والتغيّر المناخي إلى إغلاق المطامر غير الصحية وإعادة تأهيلها، بالإضافة إلى إعادة تدوير 15% من مجمل النفايات البلدية. ويوفر هذا الهدف الطموح فرصًا مُجزية في كافة أجزاء سلسلة القيمة ذات الصلة بإدارة النفايات.

وجدير بالذكر أنه سبق لهيئة الأشغال العامة "أشغال" أن أطلقت، في وقت سابق من العام، أول مشروع مشترك بين القطاعين العام والخاص لمعالجة المياه المستعملة بقيمة تبلغ 1.5 مليار دولار، وذلك لترشيد استهلاك المياه واستخدام الموارد المائية غير التقليدية. وعلى غرار المشاريع الأخرى المشتركة ما بين القطاعين العام والخاص في قطر، من شأن ذلك تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي.

تتميز دول مجلس التعاون الخليجي، ومنها قطر، بكونها بين الأكثر حضرية في العالم، حيث يتركز 85% من السكان في المدن، ومن المنتظر أن ترتفع تلك النسبة إلى 90% بحلول عام 2050. وقد استثمرت قطر، في سياق تخطيطها للاستدامة، في بناء مدن ومناطق تتبنى النظام الدائري، على غرار لوسيل ومشيرب قلب الدوحة. وستُشكل هذه المناطق نماذج للحياة المستدامة، حيث يُعد جمع النفايات وفق أسلوب الشفط، ومنشآت معالجة المياه المستعملة، والتبريد المركزي، والمنشآت المركزية، وأسس المنظومة العالمية لتقييم الاستدامة، القاعدة وليس الاستثناء.

لا شك بأن بناء هذا النموذج المستدام بات ضرورة ملحّة خلال العقود المقبلة. وفي حين تؤدي المنظمات الدولية وغير الحكومية دورًا محوريًا في تبني النظام الدائري وتعزيز استخدامه، يتوجب على المستثمرين والشركات لعب الدور الرئيسي المُتمثل في توسيع هذه الصناعة.

سيولد توجيه الاستثمارات نحو قطاع إدارة النفايات المستدام تأثيرًا مضاعفًا يدعم تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وسيُثمر ذلك عن مزايا اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، حيث ستُشكل المخلفات الصناعية أكبر مصدر للإيرادات في سوق النفايات العالمية بنسبة 50%، فضلاً عن التداعيات الإيجابية طويلة الأمد لحماية البيئة مع اعتماد جزء كبير من الناتج الاقتصادي للعالم على التنوع البيئي.

تتطلع قطر – وهي مركز لوجستي وتجاري يتميز بتواصل لا يُضاهى، ويُصنف الأول عربيًا على مؤشر الأمان المالي العالمي، ويفخر بوجود مبادرات حكومية واسعة تدعم المستثمرين الأجانب – إلى قيادة صناعة إدارة النفايات المستدامة مستقبلاً. وفي ضوء ذلك، يبقى السؤال عمن سيدخل بيئة الأعمال التنافسية هذه، ليترك بصمته في سوق إدارة النفايات في الشرق الأوسط بأسره.  

 


تشارك هذه المقالة