الاستثمارات الأجنبية المباشرة: أربعة عوامل أساسية لسد الفجوة التمويلية اللازمة للتنمية المستدامة

6584427fb8f9e_COP28_WebBanner.png
المواضيع: مقالة

جوكن سيليك، مدير أول البحوث ودعم سياسات، وكالة ترويج الاستثمار في قطر

  • التحديات والأهداف: هناك ضرورة مُلحة لحشد التمويل بشكل فعٌال لتحقيق إنجازات في مجال المناخ، والحوكمة البيئية، والاجتماعية، والمؤسسية.
  • الجهود الفردية ... لماذا لا تستطيع بنوك التنمية متعددة الجنسيات التأثير على استثمارات الطاقة النظيفة بمفردها؟
  • تدفق الاستثمار من أجل مستقبل أكثر اخضرارًا: إطلاق العنان لإمكانات وكالات ترويج الاستثمار لتحقيق التنمية المستدامة

استغرق الأمر أكثر من أربعة عقود ونقاشات لا تُعد ولا تُحصى، بدءً من مؤتمر ستوكهولم عام 1972، وهو التجمع الدولي الأول الذي ركز على قضايا البيئة، وصولاً إلى اتفاق باريس عام 2015، لتحديد نهج تعاوني وشامل للتصدي لظاهرة تغيّر المناخ. ومنذ ذلك الحين، تم إنجاز خطوات كبيرة، منها رفع مستوى الوعي بقضايا المناخ، وهو ما تجلى في الالتزامات التي فرضت على الدول للحد من انبعاث الغازات الدفيئة. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت التطورات التكنولوجية الموجهة نحو الحلول المستدامة في خفض تكاليف الاستثمار، مما أدى إلى حشد مزيد من التمويل لمعالجة قضايا المناخ، من خلال التعهدات الوطنية بدعم جهود التخفيف من أثر التغيّر المناخي والتكيّف معه، وخاصة في البلدان النامية. والآن، يبرز السؤال المُلح: ما هو التأثير الذي تحقق خلال هذه الرحلة التي بدأت منذ تلك الأيام الأولى وحتى انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28)؟

التمويل الأخضر: التصدي للتحديات والقضايا التي لم تُعالج بعد المرتبطة بالتغيّر المناخي

مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) والنظرة المتعمقة نحو المستقبل، تم إحراز بعض التقدم الملحوظ، ولكن لا تزال هناك العديد من التحديات، وزادت الحاجة للتصدي للتغيّر المناخي. تتمثل إحدى القضايا الرئيسية التي لم تُعالج بعد في حشد التمويل بشكل فعال لدعم الأهداف المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. يحتاج العالم، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، إلى ضخ استثمارات تراكمية قدرها 150 تريليون دولار بحلول عام 2050، من أجل التحول إلى الطاقة المتجددة لتحقيق الغاية الطموحة المتمثلة في الحد من معدل الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية. ويتطلب هذا الأمر استثمارات سنوية قدرها 4.7 تريليون دولار، وهو ما يزيد بكثير عن 1.3 تريليون دولار التي تم استثمارها في عام 2022.

 

من جهة أخرى، تواجه البلدان النامية وضعًا أكثر صعوبة، نظرًا لأن متطلبات التمويل الشامل للتحول للطاقة النظيفة لديها تتجاوز متطلبات الدول المتقدمة بنسية كبيرة. ويرجع هذا التفاوت بشكل أساسي إلى إدراج مكونات البنية التحتية المهمة، مثل شبكات الطاقة وخطوط النقل والتخزين وكفاءة الطاقة. ويفيد أحدث تقرير للاستثمار العالمي صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن البلدان النامية

 

تحتاج إلى استثمارات سنوية قدرها 1.7 تريليون دولار، ومع ذلك، لم يتم استثمار سوى ثلث هذا المبلغ في عام 2022. بالإضافة إلى ذلك، لم تستطع دول العالم النامي جذب سوى حوالي 20% من صفقات تمويل المشاريع المستدامة حول العالم على مدار السنوات الثلاث الماضية

 

وأدى التطبيق المتسارع للسياسات النقدية المتشددة منذ بداية عام 2022 إلى تفاقم التحديات المالية، مما أدى إلى تقلبات كبيرة في سوق الائتمان وزيادة فروق الأسعار. وحتى عوائد سندات الحكومة الأمريكية لأجل عشر سنوات، والتي يعتبرها المحللون المعدل الخالي من المخاطر لتقييم الاستثمار، تجاوزت 5% للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية. ويُعد تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على تكلفة رأس المال اللازم للاستثمار في الطاقة النظيفة في البلدان النامية أمر حتمي، بينما تظل هذه الدول في حاجة ماسة إلى التمويل. ومن خلال تحمل عبء التمويل المستدام، تستطيع بنوك التنمية المتعددة الجنسيات تقديم ما يقرب من 100 مليار دولار فقط من التمويل الموجه لمعالجة قضايا المناخ سنويًا. وفي ظل ندرة الأموال ومحدودية نماذج التشغيل وممارسات الميزانية العمومية، يتضح أن بنوك التنمية المتعددة الأطراف غير قادرة على التعامل مع هذه المهمة الحاسمة بمفردها، حيث تُعد الموارد المالية الإضافية التي يمكن التنبؤ بها أمرًا ضروريًا لدعم النقلة النوعية في العمل المناخي ومعالجة أزمة المناخ بشكل فعال.

 

الاستثمار الأجنبي المباشر الأخضر: آفاق جديدة للتنمية المستدامة

برز الاستثمار الأجنبي المباشر، باعتباره شكل ثابت من الاستثمار الخاص، كمصدر تمويل مهم لمشاريع التنمية المستدامة، وعلى الرغم من التحديات المتعلقة بمحدودية البيانات بشأن قياس إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الأخضر، يؤكد معدل النمو السنوي المذهل الذي بلغ 22% في قيمة مشاريع الطاقة المتجددة على مدى العقد الماضي على إمكاناته الكبيرة. ووفقًا لبيانات أسواق الاستثمار الأجنبي المباشر، بلغ استثمار رأس المال العالمي في مصادر الطاقة المتجددة 369 مليار دولار في عام 2022، وهو ما شكَّل 42% من إجمالي الاستثمار في المجالات الجديدة. وبلغت الاستثمارات العالمية في مصادر الطاقة المتجددة 222 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، وهو ما يمثل 24% من إجمالي حجم الاستثمار الأجنبي المباشر. إلا أن هذه الأرقام تظل متواضعة نسبيًا مقارنةً بنطاقها المحتمل. ولذلك، ومن أجل تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر في المشاريع المستدامة، لابد من تنفيذ نماذج مبتكرة. وفي حقيقة الأمر، من الممكن أن تكون آليات تقاسم المخاطر مفيدة في تضييق الفوارق وخفض تكاليف الاقتراض وخاصة في البلدان النامية. وتُظهر دراسة أجرتها شركة الاستشارات البريطانية "وافتيك" أن ما يقرب من 7 من كل 10 مستثمرين في الاستثمار الأجنبي المباشر صديق البيئة يسعون إلى إقامة تحالفات استراتيجية أو مشاريع مشتركة مع الشركات المحلية.

 

ولتحفيز التدفقات المالية الخضراء من القطاع الخاص، يتعيٌن على البلدان، وخاصة الاقتصادات الناشئة منها، أن تعالج القضايا الهيكلية المرتبطة بمناخ الاستثمار، إذ يمكن استخدام أساليب متنوعة في تشجيع الاستثمارات الخضراء، بما في ذلك تطوير بنية المعلومات المناخية التي تشمل معايير الكشف والتصنيفات. بالإضافة إلى ذلك، يُعد تحسين توجيه التمويل لتوفير استثمارات بديلة تعزز السيولة والتنويع أمرًا بالغ الأهمية.

تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر الأخضر: أربعة عوامل ضرورية لوكالات ترويج الاستثمار

تعد وكالات ترويج الاستثمار جهات وسيطة مهمة بين المستثمرين وصُناع السياسات حيث تلعب دورًا محوريًا في جسر الفجوة التمويلية في ضخ الاستثمارات المستدامة. ومع تزايد أهمية الاستدامة، تدرك وكالات ترويج الاستثمار بشكل متنامي أهمية تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويكشف استبيان أجرته مؤسسة (OCO Global) أن نصف وكالات ترويج الاستثمار في العالم تعمل بفاعلية على تطوير الاستراتيجيات اللازمة للامتثال لأهداف التنمية المستدامة. ومع ذلك، فإن ثلث هذه الوكالات فقط ترصد تأثير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية على مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر، مما يشير إلى وجود فرص لتحسين ممارسات تقييم الاستدامة.

ولجذب الاستثمار الأجنبي المباشر الأخضر وتيسيره بكفاءة، يتعين على وكالات ترويج الاستثمار أن تتخذ جهودًا استباقية، تشمل الإجراءات الرئيسية التالية:

  • دعم عمليات التحول الوطنية من خلال تحديد وتعزيز فرص الاستثمار المقبولة لدى المصارف مع الدعوة إلى إصلاح السياسات.
  • تشجيع الابتكار في مجال المناخ من خلال توجيه الاستثمارات نحو التقنيات المبتكرة والشركات الرائدة.
  • تعزيز فرص الحصول على التمويل من خلال تنفيذ آليات الحوافز والدعم لصالح الاستثمارات طويلة الأجل التي تتسق مع أهداف الاستدامة الوطنية والعالمية.
  • تعزيز الوعي من خلال معالجة التحديات الهيكلية، مثل الإفصاح والشفافية وإدارة المخاطر وتطوير الحلول.

ومن خلال النهوض بأعباء هذه المبادرات، لا تستطيع وكالات ترويج الاستثمار تعزيز دورها في التنمية المستدامة فحسب، بل يمكنها أيضًا زيادة قدرات تلك المناطق على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر الأخضر، مما يساهم في اقتصاد عالمي أكثر استدامةً ومرونةَ.


تشارك هذه المقالة