خمس توجهات: ما بين دفع أو عرقلة النمو في قطاع الخدمات اللوجستية

6649d69ce9bc1_Web_Banner_Logistics_article.png
خمس توجهات: ما بين دفع أو عرقلة النمو في قطاع الخدمات اللوجستية
المواضيع: مقالة

الشيخ علي بن الوليد آل ثاني، الرئيس التنفيذي لوكالة ترويج الاستثمار في قطر والشيخ محمد بن حمد بن فيصل آل ثاني، الرئيس التنفيذي لهيئة المناطق الحرة – قطر

تعرضت حركة التجارة العالمية لتغيرات كبيرة وغير مسبوقة على مدى العقد الماضي، بدءً من الكوارث الطبيعية، والأوبئة الصحية، والتوترات الجيوسياسية، ووصولا إلى التحولات في القوى الاقتصادية، وظهور التقنيات المبتكرة. ومن هنا، أصبحت قدرة قطاع الخدمات اللوجستية على المرونة والتطوير وجاهزيته لمثل تلك التغيرات في طليعة أولويات التجارة العالمية، حيث يعتبر هذا القطاع أساسي لحركة التجارة العالمية. وتبرهن زيادة القيمة السوقية من 5.8 تريليون دولار في عام 2018 إلى 10.41 تريليون دولار في عام 2023، والتي من المتوقع أن تتجاوز 18 تريليون دولار بحلول عام 2030، على المسار التصاعدي لهذا القطاع وتؤكد على مرونته وإمكانات نموه الهائلة. ومع ذلك، فإن آخر تحديث للتجارة العالمية والصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) يرسم صورة مختلفة، فالتوترات الجيوسياسية المتواصلة، وارتفاع تكاليف الشحن وارتفاع مستويات الديون وغيرها من العوامل، يمكن أن تستمر في فرض المزيد من التحديات التي قد تغيّر مسار التجارة العالمية. ومع تضافر هذه التوجهات الواعدة والعوامل التي تنطوي على الكثير من التحديات، يطرح هذا السؤال نفسه: أين يقف قطاع الخدمات اللوجستية في خضم تلك الظروف العالمية؟

المصدر: الخدمات اللوجستية في دولة قطر: تحقيق التميّز وسلاسل توريد تناسب المستقبل

المصدر: الخدمات اللوجستية في دولة قطر: تحقيق التميّز وسلاسل توريد تناسب المستقبل

 

خمس توجهات تشكِّل قطاع الخدمات اللوجستية


1-    التوسع في الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية
يواصل الطلب على الحلول اللوجستية الأسرع والأكثر كفاءة والأقل تكلفة في الازدياد، مما يدفع التجارة الإلكترونية كواحدة من أبرز مستخدمي الذكاء الاصطناعي. يكتسب هذا التوجه أهمية خاصة في دولة قطر التي تأتي في صدارة تصنيف "البيانات والبنية التحتية" المتعلقة بجاهزية الذكاء الاصطناعي على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي وفقًا لمؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي لعام 2023. ومن خلال الخوارزميات المتقدمة وتقنيات التعلّم الآلي، يُمكّن الذكاء الاصطناعي منصات التجارة الإلكترونية من تحليل كميات ضخمة من البيانات، وتوقع احتياجات المستهلك، وتحسين استراتيجيات التسعير والخدمات اللوجستية، ووضع التوصيات حول المنتجات، ما من شأنه أن يعزز رضا وولاء العملاء. ونظرًا لهذا التأثير من المتوقع أن تبلغ قيمة الذكاء الاصطناعي 12.87 مليار دولار بحلول عام 2026 ضمن سوق الخدمات اللوجستية، وفقًا لتقرير بيانات السوق لعام 2024 الصادر عن "جيتنوكس"، حيث يقوم عمالقة الصناعة مثل أمازون و"دي إتش إل" بدمج الذكاء الاصطناعي في عملياتهم، لدفع الابتكار والارتقاء بمستوى تجارب العملاء في عالم التجارة الإلكترونية دائم التطوّر.


2-    الاستدامة
مع تزايد المخاوف المتعلقة بالاستدامة، تتبنى المؤسسات اللوجستية ممارسات صديقة للبيئة وحلول شحن خالية من الكربون للتخفيف من الأثر البيئي، حيث تسلط التوجهات الناشئة في مجال الخدمات اللوجستية المستدامة، بما في ذلك اعتماد الوقود البديل والمركبات الكهربائية، وبرامج معادلة آثار الكربون، الضوء على النقل المستدام مع إمكانية الوصول إلى الشحن الخالي من الكربون. ووفقًا لشركة "دي إتش إل"، شكَل قطاع النقل 24% من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا في عام 2023، في حين التزم هذا القطاع أيضًا بخفض الانبعاثات المرتبطة بالخدمات اللوجستية إلى الصفر بحلول عام 2050. ولا يقتصر هذا التحوّل نحو سلاسل التوريد المستدامة على الحد من التأثير البيئي فحسب، بل يتعلق كذلك بتعزيز الكفاءة والحد من التكاليف وتحسين المرونة في عالم دائم التغيّر.


3-    سد فجوة نقص المواهب وتلبية الحاجة إلى الكوادر الماهرة
مع تقاعد المتخصصين من ذوي الخبرة وندرة الكوادر ذات المهارات العالية، تواجه الشركات العاملة في قطاع الخدمات اللوجستية، فضلاً عن حكوماتها المحلية، تحديات تتمثل في استقطاب المواهب والاحتفاظ بها وتحسين مهاراتها. وفقًا لاستطلاع أجرته "إم إتش أي" و"ديليوت"، أبلغ 57% من المشاركين فيه عن صعوبات تواجههم في توظيف العمالة المؤهلة والاحتفاظ بها. ومن ثم، تعمل الحكومات في جميع أنحاء العالم على تنفيذ استراتيجيات متعددة الأوجه لتعزيز تنمية المواهب وسد الفجوة في القوى العاملة. على سبيل المثال، أنشأت ألمانيا نموذجًا ناجحًا للغاية للتعليم والتدريب المهني يسمح باتباع نهج عملي لتأهيل الطلاب وتنمية مهاراتهم ذات الصلة. وفي الوقت نفسه، تطلق بلدان أخرى مبادرات تتعلق بمنح الإقامة تدعمها الحكومات لاستقطاب المواهب. ففي دولة قطر، أطلقت جسور (الشركة القطرية لحلول القوى البشرية) مؤخرًا برنامج "مستقل"، المصمم لدعم سوق العمل في قطر من خلال جذب رواد الأعمال والمواهب الفريدة وأمهر المتخصصين من جميع أنحاء العالم إلى دولة قطر. يقدم البرنامج مزايا فريدة وإقامة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد؛ بهدف تشجيع الأفراد على المساهمة بخبراتهم في القوى العاملة في الدولة.


4-    تبني استراتيجيات عالمية تختصر المسافات
دفعت الاضطرابات الناجمة عن الأزمات العالمية والتوترات الجيوسياسية العديد من الشركات إلى إعادة تقييم استراتيجيات النقل إلى خارج البلاد، حيث يشهد عام 2024 الاتجاه نحو التوطين وأقلمة سلاسل التوريد. فمن خلال اختصار المسافات بين مواطن الإنتاج والتوزيع وتقريبها من الأسواق النهائية، تهدف تلك الشركات إلى تقليل الاعتماد على الموردين من مناطق بعيدة، والحد من أثر المخاطر الجيوسياسية، وتعزيز الاستجابة لتفضيلات المستهلكين المتغيَرة. وعلى الصعيد العالمي، أفاد أكثر من نصف (57%) من هذه الشركات التي شملها المسح الذي أجرته شركة "قيمة" أن النقل إلى المناطق القريبة يعد جزءًا أساسيًا من استراتيجية سلاسل التوريد الخاصة بها في عام 2023 وما بعده. إن استراتيجيات التوريد القريبة لا توفر مزايا لوجستية مثل فترات زمنية أقل وخفض تكاليف النقل فحسب، بل تدعم أيضًا خلق فرص العمل وتدفع النمو الاقتصادي في المجتمعات المحلية.


5-    التحولات الجيوسياسية
يمكن للأحداث الجيوسياسية أن تشكّل تبعات استراتيجية قصيرة وطويلة المدى على أسعار الشحن والتدفقات التجارية وسلاسل التوريد العالمية. فقد كان لتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين منذ عام 2018 أثر كبير على الخدمات اللوجستية العالمية، حيث أثرت التعرفة الجمركية على بضائع تزيد قيمتها عن 700 مليار دولار في عام 2019 فقط وفقًا لمنظمة التجارة العالمية. بالإضافة إلى ذلك، أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار السلع، وزيادة تكاليف الشحن، ونقص الحاويات، وانخفاض مساحات التخزين المتوفرة، وإغلاق العديد من الموانئ. وبالمثل، فإن الاضطرابات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط إلى جانب الهجمات التي تعرضت لها السفن العابرة لقناة السويس قد أدت إلى تفاقم التحديات القائمة، ما نتج عنه انخفاض عدد السفن المارة عبر قناة السويس بنسبة تبلغ نحو 42% مقارنة بأعلى معدل لها وفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد". ويؤدي البحث عن طرق بديلة في ظل هذه العوامل الإبحار لمسافات أطول لنقل البضائع، وارتفاع تكاليف التجارة وأقساط التأمين.

خمس توجهات: ما بين دفع أو عرقلة النمو في قطاع الخدمات اللوجستية

نظرة إلى المستقبل


بالعودة إلى سؤالنا المحوري الذي طرحناه من قبل حول الوضع الحالي لقطاع الخدمات اللوجستية في هذا المنعطف المهم، تتباين مستويات الاستجابة اعتمادًا على الدولة المعنية، فبينما هناك بلدان تواجه تحديات مباشرة، قد تنظر بعض البلدان الأخرى إلى التوجهات السائدة على أنها فرص للنمو والتوسع في هذا القطاع المهم.


على الصعيد العالمي، وبالنظر إلى البلدان الرائدة وفق تصنيف مؤشر أداء الخدمات اللوجستية الصادر عن البنك الدولي، مثل سنغافورة وألمانيا وهولندا، يصبح من الواضح أن تلك الدول تعطي الأولوية للابتكار والتعاون، وتستفيد من التكنولوجيا الناشئة، مثل سلاسل البيانات وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات سلاسل التوريد وتعزيز الكفاءة. علاوة على ذلك، تعمل الحكومات على بناء شراكات مع الجهات المعنية في القطاع الخاص لتعزيز الابتكار ومعالجة التحديات الملحة مثل الاستدامة والرقمنة.


ونحن نفكر مليًا في مستقبل قطاع الخدمات اللوجستية، يبدو واضحًا أن بلدان العالم تدرك أهمية تركيزها المشترك والمتزايد على الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا وصقل المواهب لتعزيز قطاعاتها اللوجستية. وتقف دولة قطر التي تأتي في طليعة هذه المساعي العالمية لتعزيز الابتكار والتقدّم، حيث تحتل المرتبة السابعة عالميًا في الكفاءة اللوجستية وفقًا لمؤشر أجيليتي اللوجستي السنوي للأسواق الناشئة 2024، بينما تحتل المرتبة الثانية في المنطقة في مجال الوصول إلى التكنولوجيا وفقًا لمؤشر جاهزية الشبكة 2023.

 
تقوم هيئة المناطق الحرة - قطر التي تعتبر أحد عوامل التمكين الرئيسي لقطاع الخدمات اللوجستية في الدولة بالعديد من المبادرات لدعم النمو في هذا القطاع. وحتى وقتنا الحاضر، تستضيف الهيئة أربعة من أفضل عشر شركات لوجستية في العالم، وتواصل دمج تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي في قطاع الخدمات اللوجستية، فضلاً عن تطوير منشآت جديدة، بما في ذلك مراكز التوزيع الإقليمي الجديدة. وتساهم هذه الجهود في تعزيز البنية التحتية اللوجستية في قطر وجذب المنضمين الجدد إلى السوق، ما يعزز مكانة الدولة وريادتها على صعيد الخدمات اللوجستية العالمية.


تشارك هذه المقالة